يُعدّ نظام المعاملات المدنية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) وتاريخ 29/11/1444هـ أحد أهم الأنظمة الشاملة في المملكة ، وقد تناول النظام فكرة الالتزام من حيث مصادره وآثاره، كما عالج الحقوق العينية الأصلية والتبعية والعقود الواردة على الملكية وتلك التي يكون محلها المنافع، ويعمل بالنظام من تاريخ نفاذة، ويسري على الوقائع السابقة على تاريخ العمل به إلا إذا وجد نص نظامي أو مبدأ قضائي يتعلق بالواقعة بما يخالف أحكام هذا النظام، وأعرض لمفهوم الالتزام وخصائصه في ضوء نصوص نظام المعاملات المدنية على الترتيب الآتي:
أولا: مفهوم الالتزام:
هو علاقة قانونية بين شخصين، يلتزم بمقتضاها أحدهما، ويسمى المدين، بأن يقوم بأداء مالي معين لمصحة شخص آخر، وهو الدائن، بحيث يكون المدين مسئولا عن دينه في كافة أمواله و هذه العلاقة القانونية ذات وجهين: فمن ناحية الدائن تُسمى بالحق الشخصي (حق الدائنية)؛ إذ بموجبها يستطيع الدائن مطالبة المدين بما عليه من أداء، ومن ناحية المدين تسمى (التزاما) إذ يقع عليه عبء الوفاء بالأداء لصالح لدائن.
ثانياً: خصائص الالتزام: يتميز الالتزام الناشئ عن المعاملات المدنية بعدة خصائص:
1-علاقة قانونية ذات طابع شخصي وموضوعي:
فهو عبارة عن علاقة قانونية بين شخصين ( الدائن والمدين) ، وكان الاتجاه قديماً لدى بعض شراح القانون ، أن الغالب على الالتزام هو الطابع الشخصي بحيث يلزم وجود كل من المدين والدائن وقت نشوء الالتزام، و عدم تغير أحد طرفي هذه العلاقة ، وبالتالي لا يمكن انتقال الالتزام، سواء بطريق حوالة الدين من جانب المدين، أو بطريق حوالة الحق من جانب الدائن إلا أن هذه النظرة قد تغيرت بسبب تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بداية القرن التاسع عشر لذا أصبح من الجائز حوالة الدين، وحوالة الحق والاشتراط لمصلحة الغير (وهذا ما أخذ به نظام المعاملات المدنية السعودي وكافة القوانين العربية) ولذلك ظهر المذهب المادي أو الموضوعي في الالتزام الذي يرتكز على النظر إلى موضوع الالتزام لا إلى أشخاصه، بحيث يمكن تحقق الآتي:
أ-نشوء الالتزام حتى ولو لم يوجد الدائن منذ البداية، متى كان من الممكن وجوده في المستقبل (مثل الوعد بجائزة ، فالمستحق للجائزة غير موجود منذ بداية الالتزام ولكنه قابل للوجود بالمستقبل ) المادة (117) من نظام المعاملات المدنية.
ب- يمكن تغيير أطراف الالتزام وانتقاله عن طريق حوالة الدين (بتغيير شخص المدين) وحوالة الحق، (بتغيير شخص الدائن) والاشتراط لمصلحة الغير ( كما في عقود التأمين حيث يكون الدائن بالالتزام شخص ثالث غير طرفي التعاقد) ، وقد عالج جميع ما سبق نظام المعاملات المدنية السعودي كما في المادة (238) التي تناولت حوالة الحق ، والمادة (248) التي تناولت حوالة الدين، و المادة (101) التي تناولت الاشتراط لمصلحة الغير .
والحقيقة: إن تحديد شخص المدين في الالتزام منذ البداية باعتباره الطرف الذى يقع على عاتقه أداء معين في مواجهة الدائن يعتبر هو الخط الفاصل بين الحق الشخصي والحق العيني.
أ-ففي الحق الشخصي أو حق الدائنية يوجد واجب خاص يقع على عاتق شخص معين هو المدين (كما هو الحال في الالتزام بدفع مبلغ من النقود ) ويكون على المدين واجب خاص بسداد الدين وهو عنصرًا سلبيًا في ذمة المدين.
ب- أما في حالة الحق العيني، فإنه يوجد واجب عام على الكافة باحترام ما للشخص من سلطة مباشرة على شيء معين، وبالتالي لا يوجد مدين معين (كما في حالة الملكية العقارية لشخص بصك رسمي ، يستطيع أن يتمسك بموجبه بالحق على العقار المسجل باسمه في مواجهة الكافة) وهذا الواجب العام على الكافة لا يدخل ضمن عناصر أية ذمة مالية لمن يقع عليهم هذا الواجب .
2-الالتزام واجب قانوني:
حيث يُرتب الالتزام أثراً وتتولى الدولة بمؤسساتها القضائية حمايته إذ يمكن المطالبة به أمام القضاء وذلك بخلاف الواجبات الأخلاقية والمجاملات، غير أنه في بعض الأحوال يكتفي النظام بحماية ناقصة، وهذا هو الالتزام الطبيعي (الذي عبر عنه نظام المعاملات المدنية في المادتين (162 و163) بالالتزام القائم ديانة ) فالالتزام الطبيعي أو القائم ديانة هو بمثابة التزام قانوني ناقص، فالمدين بهذا الالتزام؛ لا يجبر نظاماً على أدائه وإنما يترك لاختياره فإن أوفى التزاما طبيعيا لا يعتبر متبرعا ولا يجوز له أن يسترد ما أداه، أما إن لم يوف به المدين باختياره فليس للدائن إجباره على الوفاء، وذلك لأن حماية القانون لا تتوافر كاملة .
3-الالتزام ذو طبيعة مالية:
يتميز الالتزام بمالية الأداء الذى يلتزم به المدين. فالالتزام واجب قانوني يمكن تقديره بالنقود؛ لذلك فهو يمثل عنصرًا سلبيا في ذمة المدين، وفي المقابل يعتبر عنصرًا إيجابيا، باعتباره حقا للدائن ؛ و هذه الخاصية هي التي تميز الالتزام عن الواجبات القانونية الأخرى ، كواجب الزوجة طاعة زوجها وواجب الأبناء طاعة الأب، تعتبر واجبات قانونية ولكنها لا تعتبر التزامًا بالمعنى الدقيق.
4- مسؤولية المدين عن تنفيذ الالتزام في كافة أمواله:
الالتزام علاقة بين ذمتين، فهو وسيلة مجردة يتحقق بواسطتها تبادل بعض القيم الاقتصادية ؛ ولذلك فإن الأنظمة الحديثة تقدم من الوسائل الفنية والقانونية ما يضمن فاعلية احترام وتنفيذ الالتزام دون مساس بشخص المدين، وذلك لتحفظ التوازن في الحياة القانونية والاقتصادية.
فمثلاً: إذ تعذر على المدين تنفيذ الالتزام عيناً حُكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه. وإن لم يقم المدين بالتنفيذ العيني أو بمقابل طوعا واختيارا، فليس أمام الدائن إلا أن يلجأ إلى التنفيذ الجبري عينا كان أو بمقابل، ويكون على أموال المدين لا على شخصه. وهذه الأموال هي الضامنة للوفاء بالتزاماته. وهذا ما يسمى بالضمان العام ؛ فإذا لم يقم المدين بالتنفيذ العيني أو بمقابل طوعا واختيارا فإنه يتم الحجز على أمواله بمقتضى حكم من القضاء، وبيعها بالمزاد العلني، ويوزع حصيلة التنفيذ على جميع الدائنين بطريق قسمة الغرماء فيما بين الدائنين.
والضمان العام : يعنى أن أموال المدين جميعا ضامنة للوفاء بديونه، وأن جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان، إلا من كان لهم منهم حق التقدم طبقا للنظام. وقد نصت المادة ( 20) من نظام التنفيذ السعودي على أن: ” جميع أموال المدين ضامنة لديونه، ويترتب على الحجز على أموال المدين عدم نفاذ ما يقوم به من تصرف في أمواله المحجوزة”.
وترتيباً على ما سبق: إن الضمان العام يمثل الحد الأدنى لحماية الدائن، وإلى جانب ذلك توجد وسائل قانونية تسمح للدائن أن يحتل بمقتضاها على الأولوية والتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين في المرتبة، كما هو الحال بالنسبة للرهن الرسمي، وحقوق الامتياز.
المراجع:
إسماعيل غانم، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، مكتبة عبدالله وهبه، القاهرة، 1968 .
نبيل إبراهيم سعد، أحكام الالتزام، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2020م
توفيق فرج، دروس في النظرية العامة للالتزام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1981
المرسوم الملكي رقم (م/191) وتاريخ 29/11/1444هـ الخاص بالموافقة على نظام المعاملات المدنية السعودي.