تتمثل سلطة القاضي في الحكم بانقضاء الدينين بقدر الأقل منهما وهذا الانقضاء يكون من الوقت الذي يتم اجراء التقاص بواسطة المحكمة أي من تاريخ صدور قرار المحكمة وليس من وقت حصول الدينين مع التأكد من عدم وقوع المقاصة إضرارا بالغير .
أولا: آثار المقاصة القضائية:
1- انقضاء الدينين بقدر الأقل منهما: المقاصة تتضمن معني الوفاء ولذلك فإن أثرها المباشرة هو انقضاء الدينين بقد الأقل منهما وهذا يعني أن كلا من الطرفين يوفي دينه بحقه وإذا اختلف مقدار الدينين فإن انقضاءهما بقدر الأقل منهما يعني أن الدين الأكثر قد وفي به وفاء جزئيا وهذه هي إحدى الحالات الاستثنائية التي يصح فيها الوفاء الجزئي بنص القانون دون حاجة إلي رضاء الدائن .
2- انقضاء الدينين من وقت صدور الحكم :إذا كانت القاعدة أن المقاصة لا تقع إلا إذا تمسك بها من له مصلحة فيها إلا أن انقضاء الدينين بقدر الأقل منهما يكون منذ الوقت الذي يصدر فيه الحكم القضائي ويترتب على ذلك أنه إذا كان أحد الدينين يغل فائدة فلا تحتسب هذه الفائدة إلا عن المدة السابقة على صدور الحكم و إذا كان يترتب علي المقاصة القضائية انقضاء الدينين من وقت الحكم بها لذلك فإنها ترتب أثرها مادام الدين الذي توافرت فيه شروط المقاصة قائما لم ينقض بالتقادم في هذا الوقت .
3- امتناع وقوع المقاصة أضرار بالغير: يلزم لصحة الحكم بالمقاصة القضائية ألا يكون من شأن إعمال أثرها إلحاق ضرر بالغير، وذلك للحد من الدعاوى الصورية التي قد يتفق على رفعها لتفويت حق الغي، كما في حالة إفلاس المدين ، إذ يمتنع على المدين التمسك بالمقاصة وذلك لعدم الأضرار بجماعة الدائنين .
ثانياً: سلطة المحكمة في إجراء المقاصة القضائية:
المقاصة القضائية لا تقع إلا إذا طلب المدين ذلك سواءً بدعوة مبتدأه أو كان الطلب عارضاً أثناء نظر الدعوى بين الطرفين. فإذا حكم القاضي بأحقية المطالب فيما يدعيه من حيث تأكيد وجود الحق أو تحديد مقداره. كان ذلك استكمالاً لشروط المقاصة ، وباستكمال شروط المقاصة على هذا النحو فإن المقاصة تقع من وقت صدور الحكم نظراً لزوال العقبة التي كانت تحول دون وقوعها في هذا التاريخ. وعلى ذلك فإن حكم القاضي هو المنشىء للمقاصة وليس كاشفاً لها كما في المقاصة القانونية، وينظر القاضي لها في هذه الحالة اذا رفع المدين دعوى مبتدأة أو بطلب عارض أثناء البت في النزاع بين الطرفين، مع امتلاك القاضي لحرية تقدير كاملة في قبول طلب المدعى عليه في دعواه العارضة فله أن يرد الدعوى أو يستكمل اجراءات العمل عليها
ومن التطبيقات القضائية المقارنة, ما قضت به محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها بالآتي: ((تخلف أحد شروط المقاصة القانونية بأن كان وجود الالتزام المقابل أو مقداره محل منازعة فيجب على المتمسك بالمقاصة أن يطلبها في صورة دعوى أصلية أو فرعية أمام محكمة أول درجة مراعياً أحكام المادة 123 مرافعات لأنها تتضمن طلب تقرير وجود حق له يطلب المدين الحكم له بثبوته مغاير لحق الدائن رافع الدعوى ، وهو ما يغير من نطاق الدعوى الأصلية ويطرح دعوى جديدة ، ومن ثم لا يجوز طلب المقاصة القضائية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.. . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه سدد مبلغ ٢٥٠٠٠ جنيه لمورث المطعون ضدهم عند تحرير عقد الإيجار كمقدم إيجار تستهلك من قيمة الأجرة بواقع نصف الإيجار المستحق عليه شهرياً لحين انقضاء كامل المبلغ وهو الأمر الثابت بعقد الإيجار سند الدعوى ولم ينكر المطعون ضدهم ذلك ولم ينازعوا فيه إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفاع على سند من أن عقد الإيجار لم يتضمن بنداً يتعلق بإجراء المقاصة بالرغم من أن المقاصة القانونية مصدرها القانون طبقاً لنص المادة 362 من القانون المدني مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون))
التعليق على الحكم:
1-أوضح الحكم أن طلب المقاصة القضائية يقدم من خلال دعوى فرعية أو طلب عارض بمناسبة الدعوى الأصلية و لا يجوز طلب المقاصة القضائية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
2-أن طلب المقاصة القضائية قد تعلق بثبوت مبلغ مالي سلمه الطاعن ولم ينكر المطعون ضدهم ذلك ولم ينازعوا فيه , وإذ اتحد الدينين في الجنس والصفة كان يتعين قبول طلب المقاصة القضائية حتى ولو نازع في تحققه الخصوم.
3- أن الحكم المطعون فيه رفض طلب المقاصة القضائية على سند من أن عقد الإيجار لم يتضمن اتفاقاً يتعلق بإجراء المقاصة, وهو ما يجعل الحكم قد جاء مخالفاً للقانون لأن تحقق شروط المقاصة القانونية يجعل إعمال حكمها بقوة القانون.
ومن التطبيقات القضائية في المملكة العربية السعودية أذكر ما جاء في أحد الأحكام القضائية بالآتي: ((لإقرار المدعى عليه بأن في ذمته مبلغ مليوني ريال للمدعي وحيث دفع المدعى عليه بطلب المقاصة القضائية من المستحقات الإيجارية في الفندق ولأن هذا الطلب من الطلبات العارضة التي للدائرة تقدير قبولها من عدمه فقد رأت الدائرة عدم قبول هذا الطلب لأن الدعوى في المطالبة بالأجرة ليست متوجهة ضد المدعى عليه ولأن في ذلك إطالة لأمد القضية ويلزم منه إدخال شركاء آخرين وإذ للقاضي حرية كاملة في تقدير هذا الطلب .. فقد يرى منذ البداية أن هذه الدعوى العارضة ليس لها أساس واضح فيرفض النظر فيها ويبقى للمدعى عليه أن يرفع دعوى مستقلة بما يدعيه من الدين إذا شاء، وقد يرى القاضي أن الدعوى العارضة لها أساس ولكنها من التعقيد والغموض بحيث تكون في حاجة إلى تحقيق واسع وإجراءات طويلة من شأنها أن تعطل الفصل في الدعوى الأصلية فيرفض هنا أيضاً النظر فيها مع الدعوى الأصلية ))
التعليق على الحكم:
1-أوضح الحكم السابق أن القاضي المعروض عليه طلب المقاصة القضائية من خلال طلب عارض يقدمه المدعى عليه, يملك السلطة التقديرية في البت في الطلب من حيث مدى وجاهته وأثره على إطالة أمد التقاضي.
2-أخطأ الحكم سالف البيان في تطبيق الفقرة الثانية من المادة (84) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية والتي أوضحت أنه لا يشترطُ في المقاصَّة القضائية ثبوت دَيْن المدعى عليه عند نظر الدعوى، بل ينظرُ القاضي في ثبوته خلال نظر الدعوى، ثم يُجرِي المقاصة بعد ثبوته ومفاد ذلك أنه كان يتعين على القاضي أن يحقق في الطلب, أما الركون إلى خشية إطالة أمد التقاضي, فليس مبرراً سيما وأن المدعى عليه قدم مستندات قاطعة في ثبوت الحق, ولم يقم القاضي باستجواب المدعي بشأنها, حتى يتبين له ما إذا كان النظر في ثبوت المقاصة يحتاج إلى زمن.
ويستخلص مما سبق: أن المقاصة القضائية في النظام السعودي من قبيل الطلبات العارضة التي تقدم من المدعى عليها, ويجوز أن تتعلق بدين متنازع فيه ولم يتم ثبوته, وللقاضي سلطة تقديرية في الحكم بها أو رفض طلب المقاصة ليس لعدم توافر شروط الطلب , وإنما لمجرد أن الخوض في التحقيق في الطلب قد يؤدي إلى إطالة أمد التقاضي. ولا يجوز التمسك بالمقاصة القضائية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
المراجع:
1-محمد حسن قاسم، احكام الالتزام، منشأة المعارف ،الاسكندرية،2016 م
2-محمد حسين منصور، النظرية العامة للالتزام، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2004م.
3-طعن نقض مدني مصري رقم 4664 لسنة 78 قضائية , دوائر الإيجارات جلسة 20/01/2010
4- الحكم الصادر من الدائرة (28) بالمحكمة العامة بالرياض والمصادق عليه من محكمة الاستئناف بالقرار رقم ( 5217674) وتاريخ 9/2/1443ه غير منشور.