أولاً: مفهوم قاعدة (لا يضُار المعترض باعتراضه):
تناولت المادة (17) من اللائحة التنفيذية لطرق الاعتراض على الأحكام الصادرة بقرار معالي وزير العدل رقم (512) وتاريخ 05/01/1445ه. النص على أنه:(لا يضُار المعترض باعتراضه) ، وأعرض لتحليل صياغة النص ، ومفهومة على الترتيب الآتي:
(أ)تحليل صياغة النص: استخدم المنظم لفظ “لا” وهي أداة نفى تلزم محكمة الطعن بعدم إنزال ضرر أكبر على المعترض، كما استخدم اصطلاح «يُضار» وليس «يُضرر» ومرجع ذلك أنه ثمة اختلاف جوهري بين الاصطلاحين؛ فاصطلاح «يُضرر » هو فعل الضرر، والضرر هو إلحاق مفسدة بالغير مطلقة. وهو الذى يكون فيه منفعة شخص مقابل حدوث ضرر لشخص آخر، أما اصطلاح «يضار» فيعنى مقابلة الضرر بالضرر أي تضرر من لحقه ضرر، فيوقع عليه ضرر أكثر مما لحقه. و الضرار هو الإضرار المتكرر أو المستمر وهو فعال من الضرر ويقصد به ألا يجاز الشخص على أضراره بإدخال الضرر عليه لقوله تعالى (لا تضار والدة بولدها ولا مولد له بولده) (سورة البقرة (233) ) وقوله تعالى:( واشهدوا إذا تبايعتم ولا يُضار كاتب ولا شهيد ) (سورة البقرة(282) ) وقوله تعالى:( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهم). (سورة الطلاق (6)) ولذلك، استعمل المنظم لفظ “يُضار”، دون لفظ «ضرر» باعتباره أكثر دلالة على مضمونها والمعنى المقصود منها، فهو يعنى أن محكمة الطعن لا ينبغي عليها أن تلحق بالمعترض ضرر أكثر من الضرر الذي أصابه من الحكم المطعون فيه. بمعنى ألا تزيد الضرر أو توسع دائرته، وهذا هو مناط القاعدة ومدلولها .
ويلاحظ أن اصطلاح «المعترض» لا يقصد به هنا – كما قد يتبادر إلى الأذهان – معناه الضيق الذي يقتصر على طرق الاعتراض في الأحكام التي حددها نظام المرافعات، وهي الاعتراض بالاستئناف والتماس إعادة النظر والاعتراض بطريق بالنقض، وإنما يقصد به معناه الواسع وهو ما يتضمن التظلم الذي يقرره المنظم للخصوم مما يلحق بمراكزهم القانونية من ضرر، أيا كان نوعه أو إجراءاته أو شكله. وبذلك تسري القاعدة على التظلم من الأوامر الولائية، ودعوى بطلان احكام التحكيم، والطعن على قرارات اللجان ذات الاختصاص القضائي .
(ب) مفهوم القاعدة: إن مقتضى قاعدة (لا يضُار المعترض باعتراضه ) هو وجود اعتراض وحيد أو منفرد مقدم من المعترض لا يقابله اعتراضاً مضاداً أو مقابلاً أو فرعياً من جانب المعترض ضده الذي ارتضى الحكم المطعون فيه على نحو لا يكون هناك مطروح على محكمة الطعن سوى طلبات المعترض فتقضى فيها لصالحه وبما يحقق مآربه الخاصة، وذلك حتى لا يضار المعترض من اعتراضه ويصبح الاعتراض في ذاته أداة لزيادة الضرر الذي نتج عن الحكم المطعون فيه أو توسيع دائرته، فيسوء مركزه القانوني وتثقل أعبائه، في حين أنه كان في مقدرته أن يقبل الحكم ولا يطعن عليه، فلا يصيبه من الضرر اكثر مما لحق به. وبهذه المثابة، تبدو قاعدة لا يضُار المعترض باعتراضه كوسيلة مقررة لحماية المعترض تحول دون تسوئ مركزه القانوني على نحو يكون دور محكمة الطعن محصوراً في حدود ضيقة. فلا تفصل في الاعتراض إلا بما يحقق مصلحة المعترض دون الإضرار به. و رعاية محكمة الطعن لمصلحة المعترض وعدم الإضرار به يتحقق بأحد أمرين:
الأمر الأول: ألا يترتب على الفصل في الاعتراض تفاقم الضرر الذى نتج عن الحكم المطعون فيه، كما لو قام المحكوم عليه بالاعتراض بالاستئناف وحده على الحكم الصادر ضده بإلزامه بالتعويض، فإنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف – بأي حال من الأحوال – القضاء بزيادة التعويض المحكوم به حتى ولو كان هناك مقتضى لذلك، وإنما يقتصر عملها على تأييد الحكم المطعون ضده، ما لم تقضى بإلغائه وفى هذه الحالة، لا يفيد المعترض من اعتراضه ولا يضُار.
الأمر الثاني: ألا يترتب على الفصل في الاعتراض حرمان المعترض من منفعة رتبها الحكم المطعون فيه، كما لو صدر لصالحه حكماً بالتعويض، فطعن عليه وحده بالاستئناف طالباً زيادة مبلغ التعويض، فلا تملك محكمة الاستئناف إنقاص مبلغ التعويض حتى ولو كان هناك مقتضى لذلك، وإنما تقتصر سلطتها على تأييد المبلغ أو زيادته فقط. وفى هذه الحالة يكون المعترض قد فاد من طعنه
وترتيباً على ذلك: فإن سلطة محكمة الطعن إزاء قيام قاعدة (لا يضُار المعترض باعتراضه) تنحصر في الأمرين المتقدمين بحيث إذا فصلت المحكمة في الطعن الوحيد المنظور أمامها، فإنه أقل ما يجب عليها هنا هو رفض الاعتراض وتأييد الحكم المطعون فيه، طالما أنها لم تستجيب إلى طلبات المعترض بتعديل الحكم لصالحه وبما ينفعه، وذلك حتى لا يصبح الطعن نقمة على المعترض وضاراً به، ولا ينال من ذلك مخالفة الحكم المطعون ضده لأحكام النظام، فخطأ القاضي لا يعد سبباً لإلغاء حكمه أو تعديله في ظل قيام قاعدة لا يضُار المعترض باعتراضه.
و يمكن القول: أن قاعدة لا يضُار المعترض باعتراضه هي امتناع محكمة الطعن عن تعديل الحكم المطعون فيه من جانب المعترض وحده إلا فيما ينفعه ويحقق مصلحته، وليس فيما يضره، وإلا تبقى عليه كما هو فتؤيده مهما احتوى على أخطاء – سواء كانت في استخلاص الواقع أو في تطبيق النظام، وذلك حتى لا تتفاقم الأضرار التي لحقته بالاعتراض جراء إصدار الحكم المطعون فيه والذى كان في استطاعته قبوله – ابتداء – وعدم الاعتراض عليه، بحيث لا يناله من الضرر أكثر مما قضى به عليه. ولعل هذا يقودنا إلى القول بأن قضاء محكمة الطعن سيصبح خاضعاً لحكم محكمة الموضوع ومقيداً بمداه ونتائجه، فلا يقضى إلا على ضوئه على نحو لا يصح تجاوز حدوده ونطاق منطوقه، فإذا كان ينطوي على أضرار للمعترض ومس بحقوقه، فلا يحكم بما يزيد عنها. وإذا كان يتضمن مزايا للمعترض فلا يقضى بأقل منها.
ويستخلص من العرض السابق: إن قاعدة لا يضُار المعترض باعتراضه ليس المقصود منها عدم إصابة المعترض بأية أضرار بالمعنى الفني للكلمة جراء الفصل في الاعتراض بصورة مطلقة، وذلك لأن المتصور ألا تجد محكمة الطعن ما يؤيد طلبات المعترض ووجهة نظره، وترى أن حكم محكمة أول درجة صحيحاً فتؤيده، على وجه يكون حكمها قد صدر في غير صالح المعترض حيث أيد الضرر الذى رتبه الحكم المطعون فيه . وإنما يقصد بها ألا يترتب على الفصل في الاعتراض إصابة المعترض بأضرار تفوق بكثير الأضرار التي لحقت به حال صدور الحكم المطعون فيه، أو حرمانه من منفعة قررها هذا الحكم ، وذلك حتى لا يصير الاعتراض نقمة على المعترض، وأداة ضارة بمصلحته، ووسيلة لعقابه على سلك إجراءات الاعتراض على نحو يسيء إلى مركزه القانوني.
ثالثاً: نطاق قاعدة لا يُضار المعترض باعتراضه:
أن قاعدة (لا يضُار المعترض باعتراضه) ليست مطلقة وإنما يرد عليها استثناءات تفرضها الأسس العامة للتقاضي والمبادئ المستقرة ، والحقيقة أنه ليس كل ما تقضى به محكمة الطعن في غير صالح المعترض يعتبر إضراراً باعتراضه وإنما توجد بعض الحالات، رغم ما قد يترتب عليها من ضرر للمعترض وتحمله مزيداً من الأعباء، لا تخضع لقاعدة لا يضار المعترض باعتراضه. ومرد هذا الاستبعاد إنما يرجع إلى اعتبارات مختلفة قدر المشرع أهميتها في ضمان جدية الاعتراضات وحسن تطبيق النظام وتحقيق العدالة على الوجه الأكمل.
ويمكن رد الحالات التي لا تدخل في نطاق قاعدة لا يضُار المعترض باعتراضه بحسب طبيعتها إلى مجموعتين رئيسيتين:
المجموعة الأولى: هي الجزاءات المالية التي تحكم بها محكمة الطعن على المعترض التي نص عليها المنظم حال رفض الاعتراض وعدم جديته؛ كالقضاء بالتعويض عن الاعتراض الكيدي، ومصادرة الكفالة، والحكم بالغرامة والحكم بمصاريف الاعتراض
المجموعة الثانية: تتضمن تصحيح الحكم من الناحية النظامية دون المساس بمضمونه أو منطوقه، كإنزال التكييف النظامي الصحيح على النزاع. وتصحيح الأخطاء المادية التي تشوب الحكم، وتصحيح محكمة النقض للأسباب النظامية.